الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

التنآفس مع الذآت لـ الدكتور إبراهيم الفقي


 
 
إن التنآفس مع الذآت هو أفضل تنآفس في العآلم


وَ كلمآ تنآفس الإنسآن مع نفسه تطور


بحيث لآ يكون اليوم كمآ كآن بـ الأمس ، وَ لآ يكون غداً كمآ هو اليوم ..


لـ الدكتور إبراهيم الفقي

رسمة تم تلوينها في 500 ساعة

هذه الرسمة استغرق تلوينها 500 ساعة,تخيلو 500 ساعة 

WX Lamborghini ماوس جديد يحمل شعار سيارات لامبورغيني

استكمالاً لمنتجات Asus المستوحاة من سيارات لامبورغيني التي أصدرتها بداية هذا العام، أنتجت الشركة ماوس رائع التصميم يحمل شعار سيارات لامبورغيني.


ويعمل ماوس WX Lamborghini لاسلكيًا، ويعتمد على بطاريات AAA ويتضمن وصلة يو إس بي بمدى 10 متر، وبالإضافة إلى الأداء العالي والدقة يتميز الماوس بتصميم رياضي سلس مشابه لسيارة لامبورغيني، فضلاً عن بكرة على شكل إطار السيارة.

تتوافر الماوس بالألوان الأبيض، الأصفر والأسود، ويبلغ سعرها80 دولار أميركي أو ما يعادل 300 ريال سعودي.

من هم اجمل شعوب العالم ؟

الجمال شيء نسبي لكن باستطلاع بعض الآراء حول موضوع الجمال بين الأمم المختلفة ، 



وجدنا هذا التصور الذي لا يعتبر حكما مطلقا لكنه نتائج استطلاع رأي في مجلات مختلفة:

اوزبكستان

ايطاليا

فرنسا

 فنلندا

روسيا

اليونان

اسبانيا

امراض تصيب النفوس ،امراض تجعلك لا ترى فى الدنيا الا نفسك ،امراض النفوس



لم اقصد بأمراض النفوس امراض من المعروفة كا الارهاق وغيرة لم اقصد هذة النوعية من الامراض ولكن اقصد مرض اذا جاء للانسان يجعلة لا يرى الا نفسة فى الدنيا كأنة لا يعيش على هذة الدنيا الى هو   وهومرض التكبر الكبريا اقبح شئ على وجة الارض وهى اول معصية لله سبحانة وتعالى من ابليس والتكبر صفه من صفات الله سبحانة وتعالى ولا يجب ان نصف انفسنا بصفة من صفات الله سبحانة وتعالى من هذة الصفات التى لا يتصف بها انسان ولا اى كائن من كان الا الله سبحانة وتعالى هوا لله لة الكبرياء  فندعو الله سبحانة وتعالى ان يرزقنا تجنب الكبريا فالكبريا لة جوانب واعراض كثيرة تعرف نفسك بها منها ان ترى اشخاص معينة انك افضل منهم وان تشغل تفكيرك كلة فيهم انك الافضل وعندما ترى احد يمشى تجد نفسك من داخلك قائلا انا امشى افضل منة واذا اكل امامك تحدث نفسك انا أأكل افضل منة لا تظنو ان هذة تفاهة اتحدث بها ولكن والله هناك من الناس من سيطر عليهم  الكبر فسيطر على قلوبهم فلو يعلم صاحب النفس المكتبرة ان الشئ الذى يبنى تكبرة علية زائل لما تكبر على الناس ولا يشترط فى صاحب التكبر انة غنى او صاحب سلطان او يتكبر بجمالة لالا ولكن الكبر ليس لة دخل بهذا كلة فمن الناس من هوا فقيرا وميسور الحال ولكنة متعجرف ومتكبر جدا وهذا اكبر دليل على ان التكبر مرض يملك قلب الانسان وانا فى نظرى انة اقبح مرض واقبح داء وعلاجة التواضع لله  وهذا لا يمنع انة هناك كثير من يتكبر بمالة وبمنزلة ومعيشتة على خلق الله لانة ينظر الى الحياة نظرة خاطئة فهوا ينظر لبيتة كم هوا جميل  وينظر الى بيت الفقير كم هو ضيق  ولا يتسع الى جنائن ولا ملاعب وهذة نظرة خاظئة  اذا اردت ان تنظر النظرة الصحيحة فنظر الى قبرك وقبرالفقير هل تجد هناك فرق ان وجت فرق فعندها تكبر ولكن لن تجد فرق فهوا منزلك ومنزل الفقير ومنزل الضعيف والقوى  .     ومن النساء من تتكبر بجمالها ورشاقتها فلو تعمل ان هذا الجمال ذائل وان هذا الوجة الجميل يسير عظاما نخرة وعظاما موخفة فلن تتكبر وهذا نموزج  قد قابلة الكثير منها ونسئل الله العلى العظيم ان يعافنا  يا رب العالمين ...

قصة هود عليه السلام


قصة هود عليه السلام

نسبه عليه السلام




وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.
وكان من قبيلة يقال لهم عاد بن عوص بن سام بن نوح. وكانوا عرباً يسكنون الأحقاف - وهي جبال الرمل - وكانت باليمن بين عمان وحضرموت، بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر، واسم واديهم مغيث.
وكانوا كثيراً ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام
كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، ارَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ }
أي عاد ارم وهم عاد الأولى.
{ارَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} أي مثل القبيلة، وقيل مثل العمد.

وفي صحيح ابن حبان عن أبي ذر في حديثه الطويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال فيه: "منهم أربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر".
ويقال أن هوداً عليه السلام أول من تكلم بالعربية.
ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام، العرب العاربة، وهم قبائل كثيرة: منهم عاد، وثمود، وجرهم، وطسم، وجميس، وأميم، ومدين، وعملاق، وعبيل، وجاسم، وقحطان، وبنو يقطن، وغيرهم.
وأما العرب المستعربة فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذين نزلوا عند أمه هاجر بالحرم كما ولكن أنطقه الله بها في غاية الفصاحة والبيان. وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم.

قوم عاد
والمقصود أن عاداً - وهم عاد الأولى - كانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان. وكانت أصنامهم ثلاثة: صدا، وصمودا، وهرا.
فبعث الله فيهم أخاهم هوداً عليه السلام فدعاهم إلى الله، كما قال تعالى بعد ذكر قوم نوح، وما كان من أمرهم

وقال تعالى بعد ذكر قصة نوح في سورة هود: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ{
} وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ عَاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}.

وقال تعالى في النجم: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى، وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى، وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى، وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى، فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}.

بعثة هود إلى قوم عاد
ولنذكر مضمون القصة مجموعاً من هذه السياقات، مع ما يضاف إلى ذلك من الأخبار.
وقد ذكرنا أنهم أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان. وذلك بين في قوله لهم: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً}
أي جعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش.
والمقصود أن عاداً كانوا جفاة كافرين، عتاة متمردين في عبادة الأصنام، فأرسل الله فيهم رجلاً منهم يدعوهم إلى الله وإلى إفراده بالعبادة والإخلاص له، فكذبوه وخالفوه وتنقصوه، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
فلما أمرهم بعبادة الله ورغبهم في طاعته واستغفاره، ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة، وتوعدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة
{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ}
أي هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفه بالنسبة إلى ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يرتجى منها النصر والرزق، ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك.

{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.

أي ليس الأمر كما تظنون ولا ما تعتقدون و لكنى :
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.
والبلاغ يستلزم عدم الكذب وعدم الزيادة فيه والنقص منه، وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه والشفقة عليهم، والحرص على هدايتهم، لا يبتغي منهم أجراً، ولا يطلب منهم جعلاً، بل هو مخلص لله عز وجل في الدعوة إليه، والنصح لخلقه، لا يطلب أجره إلا من الذي أرسله، فإن خير الدنيا والآخرة كله في يديه، وأمره إليه، ولهذا قال:
{يَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}
أي أما لكم عقل تميزون به وتفهمون أني أدعوكم إلى الحق المبين الذي تشهد به فطركم التي خلقتم عليها، وهو دين الحق الذي بعث الله به نوحاً وهلك من خالفه من الخلق. وها أنا أدعوكم إليه ولا أسألكم أجراً عليه، بل أبتغي ذلك عند الله مالك الضر والنفع.

وقال قوم هود له فيما قالوا: {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}
يقولون ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به، وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك؛ بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته، وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه. وعندنا أنه إنما أصابك هذا لأن بعض آلهتنا غضب عليك فأصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك.

وهو قولهم: {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}.

{قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِي}.
وهذا تحد منه لهم، وتبرأ من آلهتهم وتنقص منه لها، وبيان أنها لا تنفع شيئاً ولا تضر، وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله. فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر فها أنا بريء منها لاعن لها
{فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون}
أنتم جميعاً بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه وتقدروا عليه، ولا تؤخروني ساعة واحدة ولا طرفة عين فإني لا أبالي بكم ولا أفكر فيكم، ولا أنظر إليكم.

{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
أي أنا متوكل على الله ومتأيد به، وواثق بجنابه الذي لا يضيع من لاذ به واستند إليه، فلست أبالي مخلوقاً سواه، لست أتوكل إلا عليه ولا أعبد إلا إياه.
وهذا وحده برهان قاطع على أن هوداً عبد الله ورسوله، وأنهم على جهل وضلال في عبادتهم غير الله؛ لأنهم لم يصلوا إليه بسوء ولا نالوا منه مكروهاً. فدل على صدقه فيما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه وفساد ما ذهبوا إليه.

وقد استبعدوا أن يبعث الله رسولاً بشرياً .
ولهذا قال لهم هود عليه السلام: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ} أي ليس هذا بعجيب: فإن الله أعلم حيث يجعل رسالته.

وقوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُون، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ، إِنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ، قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بما كذبون}
استبعدوا الميعاد وأنكروا قيام الأجساد بعد صيرورتها تراباً وعظاماً،
وقالوا: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ}، أي بعيد بعيد هذا الوعد،
{إِنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} أي يموت قوم ويحيا آخرون. كما يقول بعض الجهلة من الزنادقة: أرحام تدفع وأرض تبلع.

وقال لهم فيما وعظهم به: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُون، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}.
يقول لهم: أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عظيماً هائلاً كالقصور ونحوها، تعبثون ببنائها لأنه لا حاجة لكم فيه، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يسكنون الخيام،
كما قال تعالى: {ألم تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، ارَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ}

فعاد ارم هم عاد الأولى الذين كانوا يسكنون الأعمدة التي تحمل الخيام.
وقوله: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} قيل هي القصور، وقيل بروج الحمام وقيل مآخذ الماء {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعماراً طويلة

{وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي، وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُون، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.

وقالوا له مما قالوا: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ} أي جئتنا لنعبد الله وحده، ونخالف آباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه؟ فإن كنت صادقاً فيما جئت به فأتنا بما تعدنا من العذاب والنكال، فإنا لا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نصدقك.

قال: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ}

أي قد استحققتم بهذه المقالة الرجس والغضب من الله، أتعارضون عبادة الله وحده لا شريك له بعبادة أصنام أنتم نحتموها وسميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم؟ اصطلحتم عليها أنتم وآباؤكم، ما نزل الله بها من سلطان. وإذ أبيتم قبول الحق وتماديتم في الباطل، وسواء عليكم أنهيتكم عما أنتم فيه أم لا، فانتظروا الآن عذاب الله الواقع بكم، وبأسه الذي لا يرد ونكاله الذي لا يصد.

وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِي، قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ، فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}

هلاك قوم عاد
اهلكهم الله تعالى بأن سلط عليهم ريح صرصر عاتيه وقد ذكر الله تعالى خبر إهلاكهم في غير آية مجملاً ومفصلاً، كقوله:

{فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ}

وأما تفصيل إهلاكهم فلما قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيم}
كان هذا أول ما ابتدأهم العذاب، أنهم منع عنهم المطر، فطلبوا السقيا فرأوا عارضاً في السماء وظنوه سقيا رحمة، فإذا هو سقيا عذاب.

ولهذا قال تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} أي من وقوع العذاب وهو قولهم: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ} ومثلها في الأعراف.

وقد ذكر المفسرون وغيرهم هاهنا هذا الخبر:
أنهم لما أبوا إلا الكفر بالله عز وجل، أمسك عنهم القطر ثلاث سنين، حتى جهدهم ذلك قال: وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان فطلبوا من الله الفرج منه إنما يطلبونه بحرمة ومكان بيته.
وكان معروفاً عند أهل ذلك الزمان، وبه العماليق مقيمون، وهم من سلالة عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان سيدهم إذ ذاك رجلاً يقال إنه معاوية بن بكر، وكانت أمه من قوم عاد واسمها جلهدة ابنة الخيبري.
قال: فبعث عاد وفداً قريباً من سبعين رجلاً ليستسقوا لهم عند الحرم، فمروا بمعاوية بن بكر بظاهر مكة، فنزلوا عليه فأقاموا عنده شهراً، يشربون الخمر، وتغنيهم الجرادتان، و هما جاريتان لمعاوية وكانوا قد وصلوا إليه في شهر. فلما طال مقامهم عنده، وأخذته شفقة على قومه، واستحيا منهم أن يأمرهم بالانصراف - عمل شعراً يعرض لهم فيه بالانصراف، وأمر الجاريتان أن تغنيهم به، فقال:

ألا يا قيل ويحك قم فهينم ** لعل الله يمنحنا غماما
فيسقي أرض عاد إن عادا ** قد أمسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس نرجو * به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهم بخير ** فقد أمست نساؤهم أيامى
وإن الوحش يأتيهم جهارا ** ولا يخشى لعادي سهاما
وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم ** نهاركم وليلكم تماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ** ولا لقوا التحية والسلاما

قال: فعند ذلك تنبه القوم لما جاءوا له، فنهضوا إلى الحرم ودعوا لقومهم، فدعا داعيهم وهو قيل بن عنز
فأنشأ الله سحابات ثلاثاً: بيضاء وحمراء وسوداء،
ثم ناداه مناد من السماء: اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب،
فقال: اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء
فناداه مناد: اخترت رماد رمددا، لا تبقي من عاد أحداً، لا والداً يترك ولا ولداً إلا جعلته همداً إلا بني اللوذية الهمدا. قال وهم من بطن عاد كانوا مقيمين بمكة، فلم يصبهم ما أصاب قومهم.
قال: ومن بقي من أنسابهم وأعقابهم هم عاد الآخرة.
قال: وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى تخرج عليهم من واد يقال له المغيث، فلما رأوها استبشروا، وقالوا هذا عارض ممطرنا،
فيقول تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}
أي تهلك كل شيء أمرت به.
فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها "مهد" فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت.

فلما أفاقت قالوا ما رأيت يا مهد؟

قالت رأيت ريحاً فيها شبه النار أمامها رجال يقودونها، فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، والحسوم الدائمة؛ فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك.

قال: واعتزل هود عليه السلام - فيما ذكر لي - في حظيرة هو ومن معه من المؤمنين، ما يصيبهم إلا ما تلين عليه الجلود، وتلذ الأنفس، وإنها لتمر على عاد بالظعن فيما بين السماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة.

وقد قال ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من أئمة التابعين: هي الباردة، والعاتية الشديد الهبوب.

{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} أي كوامل متتابعات. قيل كان أولها الجمعة، وقيل الأربعاء.
{فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}
شبههم بأعجاز النخل التي لا رؤوس لها، وذلك لأن الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء؛ ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى جثة بلا رأس، كما قال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} أي في يوم نحس عليهم، مستمر عذابه عليهم.
{تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}

وفي الآية الأخرى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}
ومعلوم أنها ثمانية أيام متتابعات والمراد في أيام نحسات، أي عليهم.
وقال تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} أي التي لا تنتج خيراً، فإن الريح المفردة لا تثير سحاباً ولا تلقح شجراً، بل هي عقيم لا نتيجة خير لها،

ولهذا قال: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} أي كالشيء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالكلية.

وأما قوله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}
فإن عاداً لما رأوا هذا العارض وهو الناشئ في الجو كالسحاب ظنوه سحاب مطر، فإذا هو سحاب عذاب. اعتقدوه رحمة فإذا هو نقمة رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر.
قال تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} أي من العذاب،
ثم فسره بقوله: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}
يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوط، التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية فلم تبق منهم أحداً، بل تتبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم، وتدمر عليهم البيوت المحكمة والقصور المشيدة، فكما منوا بشدتهم وبقوتهم وقالوا: من أشد منا قوة؟ سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة، وأقدر عليهم، وهو الريح العقيم.
ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة، ظن من بقي منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم وغياث لمن بقي منهم، فأرسلها الله عليهم شرراً وناراً. كما ذكره غير واحد , وهو أشد ما يكون من العذاب بالأشياء المختلفة المتضادة . والله أعلم.

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد، الريح وما فيها {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة.
و ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال :عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به"
قالت: "وإذا غيبت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر. فإذا أمطرت سرى عنه، فعرفت ذلك عائشة فسألته
فقال: "لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا}".

عن عائشة أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً قط حتى أرى منه لهواته، إنما كانت يبتسم وقالت: كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه،
قالت يا رسول الله: إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية؟
فقال: "يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب! قد عذب قوم نوح بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا"

فهذا الحديث كالصريح في تغاير القصتين كما أشرنا إليه أولاً. فعلى هذا تكون القصة المذكورة في سورة الأحقاف خبراً عن قوم عاد الثانية وتكون بقية السياقات في القرآن خبراً عن عاد الأولى، والله أعلم بالصواب.



قصـص الأنـبـياء

نوح عليه السلام


نوح عليه السلام

نسبه عليه السلام






هو نوح، بن لامك، بن متوشلخ، بن خنوخ - وهو إدريس - بن يرد، بن مهلاييل، بن قينن، بن أنوش، بن شيث، بن آدم أبي البشر عليه السلام.

كان مولده بعد وفاة آدم، بمائة سنة وست وعشرين سنة فيما ذكره ابن جرير وغيره.

عن زيد بن سلام،قال سمعت أبا سلام، سمعت أبا أمامة،قال
أن رجلاً قال يا رسول الله: أنبي كان آدم؟

قال: نعم مكلم.

قال: فكم كان بينه وبين نوح؟

قال: عشرة قرون.

وفي صحيح البخاري، عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح، عشرة قرون كلهم على الإسلام
فإن كان المراد بالقرن مائة سنة - كما هو المتبادر عند كثير من الناس - فبينهما ألف سنة .
وإن كان المراد بالقرن، الجيل من الناس، كما في قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ}
فقد كان الجيل قبل نوح، يعمرون الدهر الطويلة، فعلى هذا يكون بين آدم ونوح، ألوف من السنين، والله أعلم

بعثته عليه السلام
فنوح عليه السلام، إنما بعثه الله تعالى، لما عبدت الأصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، فبعثه الله رحمة للعباد، فكان أول رسول، بعث إلى أهل الأرض، كما يقول له أهل الموقف يوم القيامة. وكان قومه يقال لهم بنو راسب، فيما ذكره ابن جبير، وغيره.
وقد ذكر الله قصته، وما كان من قومه، وما أنزل بمن كفر به من العذاب بالطوفان، وكيف أنجاه وأصحاب السفينة في غير ما موضع من كتابه العزيز.
قال تعالى في سورة هود:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ {

قصته عليه السلام

وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذاً من الكتاب، والسنة، والآثار فقد ذكرنا عن ابن عباس أنه كان بين آدم، ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. رواه البخاري.
وذكرنا أن المراد بالقرن: الجيل، أو المدة على ما سلف، ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}
فمن هم " ود و يغوث و سواع و يعوق و نسر"؟
قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُـعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عُبدت.
و قال ابن جرير في (تفسيره):
كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا

قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم

فلما ماتوا وجاء آخرون، دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم.

عن عروة بن الزبير أنه قال: ود، ويغوث، ويعوق، وسواع، ونسر: أولاد آدم. وكان ود أكبرهم، وأبرهم به.
وعن أبي جعفرقال: ذكر وداً رجلاً صالحاً، وكان محبوباً في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل، وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان.
ثم قال: إني أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه؟

قالوا: نعم.

فصور لهم مثله.

ووضعوه في ناديهم، وجعلوا يذكرونه، فلما رأى ما بهم من ذكره.

قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟

قالوا: نعم.

فمثَّل لكل أهل بيت تمثالاً مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به.

وأدرك أبناؤهم، فجعلوا يرون ما يصنعون به وتناسلوا ودرس أثر ذكرهم إياه، حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله، أولاد أولادهم، فكان أول ما عبد غير الله (ود) الصنم، الذي سموه وداً.

ومقتضى هذا السياق: أن كل صنم من هذه، عبده طائفة من الناس.
وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لهم، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل.
وقد ثبت في (الصحيحين) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكرت عنده أم سلمة، وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة، يقال لها: مارية، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، قال:
((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل)).

والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض، وعم البلاد بعبادة الأصنام فيها، بعث الله عبده ورسوله نوحاً عليه السلام، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه. فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، كما ثبت عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال:
((فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟
فيقول: ربي قد غضب غضباً شديداً، لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك عز وجل؟
فيقول: ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي...)).

فلما بعث الله نوحاً عليه السلام، دعاهم إلى إفراد العبادة لله وحده، لا شريك له، وأن لا يعبدوا معه صنماً، ولا تمثالاً، ولا طاغوتاً، وأن يعترفوا بوحدانيته، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل، الذين هم كلهم من ذريته.
كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَتَهُ هُمُ البَاقِيْن}
وقال فيه، وفي إبراهيم: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}
أي: كل نبي من بعد نوح، فمن ذريته وكذلك إبراهيم.

ولهذا قال نوح لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}

وقال: { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً}

فذكر أنه دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل، والنهار، والسر، والإجهار، بالترغيب تارة، والترهيب أخرى. وكل هذا فلم ينجح فيهم بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان، وعبادة الأصنام والأوثان، ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به، وتوعدوهم بالرجم والإخراج، ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم.
{قَالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِهِ} أي: السادة الكبراء منهم:

{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
أي: لست كما تزعمون من أني ضال، بل على الهدى المستقيم، رسول من رب العالمين أي: الذي يقول للشيء كن فيكون.
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

وهذا شأن الرسول أن يكون بليغاً أي فصيحاً ناصحاً، أعلم الناس بالله عز وجل.

وقالوا له فيما قالوا: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}
تعجبوا أن يكون بشراً رسولاً، وتنقصوا بمن اتبعه، ورأوهم أراذلهم.
وقد قيل: إنهم كانوا من أقياد الناس، وهم ضعفاؤهم كما قال هرقل وهم أتباع الرسل، وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق.
وقولهم: ((بادي الرأي)) أي: بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية، وهذا الذي رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه رضي الله عنهم، فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية، ولا فكر، ولا نظر، بل يجب اتباعه والانقياد له متى ظهر.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحاً للصديق:

((ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم))

وقال كفرة قوم نوح له ولمن آمن به: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ}
أي: لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالإيمان، ولا مزية علينا

{بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}

وهذا تلطف في الخطاب معهم، وترفق بهم في الدعوة إلى الحق، كما قال تعالى:
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

وهذا منه يقول لهم: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ}
أي: النبوة والرسالة.
{فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} أي: فلم تفهموها، ولم تهتدوا إليها.
{أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أي: أنغصبكم بها، ونجبركم عليها.
{وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} أي: ليس لي فيكم حيلة، والحالة هذه.
{وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ } أي: لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم، ما ينفعكم في دنياكم، وأخراكم، إن أطلب ذلك إلا من الله، الذي ثوابه خير لي، وأبقى مما تعطونني أنتم.

وقوله: { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً}
كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك، فأبى عليهم ذلك.
وقال: {إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} أي: فأخاف إن طردتهم أن يشكوني إلى الله عز وجل.
ولهذا قال: {وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ }

{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ}

أي: بل أنا عبد رسول، لا أعلم من علم الله، إلا ما أعلمني به، ولا أقدر إلا على ما أقدرني عليه، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله.
{وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ} يعني من أتباعه.
{لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ}

أي: لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم، عند الله يوم القيامة، الله أعلم بهم، وسيجازيهم على ما في نفوسهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

وقد تطاول الزمان، والمجادلة بينه وبينهم، كما قال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}.
أي: ومع هذه المدة الطويلة، فما آمن به إلا القليل منهم، وكان كل ما انقرض جيل، وصُّوا من بعدهم بعدم الإيمان به، ومحاربته، ومخالفته.

وكان الوالد إذا بلغ ولده، وعقل عنه كلامه، وصَّاه فيما بينه وبينه، أن لا يؤمن بنوح أبداً، ما عاش، ودائماً ما بقي، وكانت سجاياهم تأبى الإيمان، واتباع الحق، ولهذا قال: {وَلَا يَلِدُوْا إِلَّا فَاجِرَاً كَفَّارَاً}.

ولهذا قالوا: {قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}.
أي: إنما يقدر على ذلك الله عز وجل، فإنه الذي لا يعجزه شيء، ولا يكترثه أمر، بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون.
{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
أي: من يرد الله فتنته، فلن يملك أحد هدايته، هو الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وهو الفعال لما يريد، وهو العزيز الحكيم العليم، بمن يستحق الهداية، ومن يستحق الغواية. وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.

{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}

وهذه تعزية لنوح عليه السلام، في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن أي لا يسوأنك ما جرى؛ فإن النصر قريب والنبأ عجيب.

صنع السفينة و الطوفان

{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}
وذلك أن نوحاً عليه السلام، لما يئس من صلاحهم، وفلاحهم، ورأى أنهم لا خير فيهم، وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته، وتكذيبه، بكل طريق من فعال، ومقال، دعا عليهم دعوة غضب، فلبى الله دعوته، وأجاب طلبته، قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}.

وقال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}
فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم، وفجورهم، ودعوة نبيهم عليهم، فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك؛ وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها، ولا يكون بعدها مثلها.
وقدم الله تعالى إليه أنه: إذا جاء أمره، وحلَّ بهم بأسه، الذي لا يرد عن القوم المجرمين، أنه لا يعاوده فيهم، ولا يراجعه، فإنه لعله قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم، فإنه ليس الخبر كالمعاينة،
ولهذا قال: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}.
أي: يستهزئون به استبعاد الوقوع ما توعدهم به.
{قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}.
أي: نحن الذين نسخر منكم، ونتعجب منكم، في استمراركم على كفركم، وعنادكم، الذي يقتضي وقوع العذاب بكم، وحلوله عليكم.
{فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه، ويحل عليه عذاب مقيم}

وقد كانت سجاياهم: الكفر الغليظ، والعناد البالغ في الدنيا. وهكذا في الآخرة، فإنهم يجحدون أيضاً، أن يكون جاءهم رسول.

عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يجيء نوح عليه السلام وأمته،
فيقول الله عز وجل: هل بلغت؟
فيقول: نعم أي رب.
فيقول لأمته: هل بلغكم؟
فيقولون: لا ما جاءنا من نبي.
فيقول لنوح: من يشهد لك؟
فيقول: محمد وأمته، فتشهد أنه قد بلغ))
وهو قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}

وقد قال بعض علماء السلف:
لما استجاب الله لنوح أمره، أن يغرس شجراً ليعمل منه السفينة، فغرسه وانتظره مائة سنة، ثم نجره في مائة أخرى، وقيل: في أربعين سنة، فالله أعلم.

قال الثوري: وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً، وعرضها خمسين ذراعاَ، وأن يطلى ظاهرها وباطنها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤاً أزور يشق الماء.
وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع، في عرض خمسين ذراعاً، وهذا الذي في التوراة
وقال الحسن البصري: ستمائة في عرض ثلاثمائة.
وعن ابن عباس: ألف ومائتا ذراع، في عرض ستمائة ذراع.
وقيل: كان طولها ألفي ذراع، وعرضها مائة ذراع.
وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعاً، وكانت ثلاث طبقات، كل واحدة عشر أذرع؛ فالسفلى: للدواب، والوحوش

والوسطى: للناس،

والعليا: للطيور.
وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها، مطبق عليها.


قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}.
أي: بأمرنا لك، وبمرأى منا لصنعتك لها، ومشاهدتنا لذلك لنرشدك إلى الصواب في صنعتها.
{فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}.

فتقدم إليه بأمره العظيم العالي، أنه إذا جاء أمره، وحلَّ بأسه، أن يحمل في هذه السفينة، من كل زوجين اثنين من الحيوانات، وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها، لبقاء نسلها، وأن يحمل معه أهله، أي أهل بيته إلا من سبق عليه القول منهم: أي إلا من كان كافراً فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد، ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد، وأمر أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعاينه من العذاب العظيم، الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد .
والمراد بالتنور عند الجمهور: وجه الأرض أي نبعت الأرض من سائر أرجائها، حتى نبعت التنانير التي هي محال النار.

وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}.
هذا أمر بأن عند حلول النقمة بهم، أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين.

وقوله {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} أي: من استجيبت فيهم الدعوة النافذة، ممن كفر، فكان منهم ابنه يام الذي غرق، كما سيأتي بيانه.
{وَمَنْ آمَنَ} أي: واحمل فيها من آمن بك من أمتك.
قال الله تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم، ودعوتهم الأكيدة، ليلاً ونهاراً بضروب المقال، وفنون التلطفات، والتهديد والوعيد تارة، والترغيب والوعد أخرى.
وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة؛ فعن ابن عباس كانوا ثمانين نفساً معهم نساؤهم.
وعن كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفساً.
وقيل: كانوا عشرة.

وأما امرأة نوح، قيل: إنها غرقت مع من غرق، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها
وهي أم أولاده كلهم وهم: حام، وسام، ويافث، ويام، وتسميه أهل الكتاب: كنعان، وهو الذي قد غرق، وعابر .

قال الله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}

أمره أن يحمد ربه، على ما سخر له من هذه السفينة، فنجاه بها، وفتح بينه وبين قومه، وأقر عينه ممن خالفه وكذبه،
كما قال تعالى: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}.
وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمور، أن يكون على الخير والبركة، وأن تكون عاقبتها محمودة،

وقد امتثل نوح عليه السلام هذه الوصية {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
أي: على اسم الله ابتداء سيرها، وانتهاؤه.

قال الله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطراً، لم تعهده الأرض قبله، ولا تمطره بعده، كان كأفواه القرب، وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها، وسائر أرجائها، كما قال تعالى: { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}
والدسر: يعنى السائر
و تجري بأعيننا، أي: بحفظنا، وكلاءتنا، وحراستنا، ومشاهدتنا لها جزاء لمن كان كفر.
وقد ذكر ابن جرير، وغيره، أن الطوفان كان في ثالث عشر، شهر آب، في حساب القبط.
وقال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} أي: السفينة.
{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.
قال جماعة من المفسرين: ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض، خمسة عشر ذراعاً، وهو الذي عند أهل الكتاب.
وقيل: ثمانين ذراعاً، وعمَّ جميع الأرض طولها والعرض، سهلها، وحزنها، وجبالها، وقفارها، ورمالها، ولم يبق على وجه الأرض، ممن كان بها من الأحياء، عين تطرف، ولا صغير، ولا كبير.
قال الإمام مالك، عن زيد بن أسلم: كان أهل ذلك الزمان، قد ملؤوا السهل، والجبل و لم تكن بقعة في الأرض، إلا ولها مالك، وحائز.

{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}
وهذا الابن هو: يام أخو سام، وقيل اسمه كنعان.
وكان كافراً عمل عملاً غير صالح، فخالف أباه في دينه ومذهبه، فهلك مع من هلك.
هذا وقد نجا مع أبيه، الأجانب في النسب، لما كانوا موافقين في الدين والمذهب.

{وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}

أي: لما فرغ من أهل الأرض، ولم يبق منها أحد ممن عبد غير الله عز وجل، أمر الله الأرض أن تبلع ماءها، وأمر السماء أن تقلع أي تمسك عن المطر.

وقال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}.

ثم قال تعالى: {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
هذا أمر لنوح عليه السلام، لما نضب الماء عن وجه الأرض، وأمكن السعي فيها، والاستقرار عليها، أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم، على ظهر جبل الجودي، وهو جبل بأرض الجزيرة مشهور.

{بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ} أي: اهبط سالماً مباركاً عليك، وعلى أمم ممن سيولد بعد، أي من أولادك، فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلاً ولا عقباً سوى نوح عليه السلام.
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} فكل من على وجه الأرض اليوم، من سائر أجناس بني آدم، ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة، وهم: سام، وحام، ويافث.

روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم)). ورواه الترمذي
عن ابن عباس، قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوماً، وإن الله وجَّه السفينة إلى مكة، فدارت بالبيت أربعين يوماً، ثم وجَّهها إلى الجودي فاستقرت عليه.
فبعث نوح عليه السلام الغراب، ليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع علىالجيف فأبطأ عليه.
فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون، ولطخت رجليها بالطين، فعرف نوح أن الماء قد نضب، فهبط إلى أسفل الجودي، فابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصحبوا ذات يوم، وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها العربي، وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض، فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم.

وقال قتادة وغيره: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، فساروا مائة وخمسين يوماً، واستقرت بهم على الجودي شهراً. وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم.

عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال:
((ما هذا الصوم؟))
فقالوا: هذا اليوم الذي نجا الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي، فصام نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم، فأمن أصحابه بالصوم
وقال لأصحابه: من كان منكم أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان منكم قد أصاب من غد أهله، فليتم بقية يومه)).
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر، المستغرب ذكر نوح أيضاً، والله أعلم.

ذكر شيء من أخبار نوح نفسه عليه السلام و عبادته

قال الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً}.
قيل: أنه كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها".

ذكر صومه عليه السلام

عن عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر".

ذكرحجه عليه السلام

عن ابن عباس قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتى وادي عسفان قال: "يا أبا بكر أي واد هذا؟"
قال هذا وادي عسفان.
قال: "لقد مرّ بهذا نوح وهود وإبراهيم على بكران لهم حمر خطمهم الليف، أزرهم العباء وأرديتهم النمار يحجون البيت العتيق". فيه غرابة.

ذكر وصيته لولده عليه السلام

عن عبد الله بن عمرو قال:
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيحان مزرورة بالديباج فقال: "ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس "
أو قال: يريد أن يضع كل فارس ابن فارس، ورفع كل راع ابن راع".
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال: "ألا أرى عليك لباس من لا يعقل!"
ثم قال: "أن نبي الله نوحاً عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك وصية؛ آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين: آمرك بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله. ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة ضمتهن لا إله إلا الله، وبسبحان الله وبحمده. فإن بها صلات كل شيء، وبها يرزق الخلق. وأنهاك عن الشرك والكبر"

والقرآن يقتضي أن نوحاً مكث في قومه بعد البعثة وقبل الطوفان ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون. ثم الله أعلم كم عاش بعد ذلك؟

وأما قبره عليه السلام: فروى ابن جرير والأزرقي عن عبد الرحمن بن سابط أو غيره من التابعين مرسلاً، أن قبر نوح عليه السلام بالمسجد الحرام.
وهذا أقوى وأثبت من الذي يذكره كثير من المتأخرين، من أنه ببلدة بالبقاع تعرف اليوم بكرك نوح، وهناك جامع قد بني بسبب ذلك فيما ذكر. والله أعلم.


 قصـص الأنـبـياء

قصة آدم عليه السلام

قصة آدم عليه السلام


شاءت إرادة الله تعالى ان يخلق آدم .. فكيف خلقه و مما خلقه ؟؟

سنحاول أن نعرف القصة من خلال آيات القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة

عن أبي هريرة مرفوعاً: "وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة " عن ابى موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك".


عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فبعث الله عز وجل جبريل في الأرض ليأتيه بطين منها،
فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني
فرجع ولم يأخذ، وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها.
فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل.
فبعث الله ملك الموت فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلطه، ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة بيضاء وحمراء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.

فصعد به فبل التراب حتى عاد طيناً لازباً. واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض

ثم قال للملائكة:

{إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.

فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه، فخلقه بشراً، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعاً إبليس، فكان يمر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة، فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}

وكان إبليس يقول: لأمر ما خُـلقت، ودخل من فِـيه وخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سُـلطت عليه لأهلكنه.

} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}.

فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح، قال الله تعالى للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس، فقالت الملائكة قل: الحمد لله

فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، وذلك حين يقول الله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}

{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}

وهذه بعض الأحاديث الدالة على ذلك :

عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه، فجعل إبليس يطيف به، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك".

عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله".

وعن أبي هريرة رفعه قال: "لما خلق الله آدم عطس، فقال الحمد لله، فقال له ربه رحمك ربك يا آدم".
وقال عمر بن عبد العزيز: لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل، فآتاه الله أن كتب القرآن في جبهته.

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طيناً ثم تركه، حتى إذا كان حمأ مسنون خلقه الله وصوره ثم تركه، حتى إذا كان صلصالاً كالفخار قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خُـلقت لأمر عظيم.

ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقاه الله رحمة به، فقال الله يرحمك ربك

ثم قال الله: يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم فانظر ماذا يقولون؟

فجاء فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

فقال: يا آدم هذا تحيتك وتحية ذريتك.

قال يا رب: وما ذريتي؟

قال: اختر "احدى" يدي يا آدم،

قال: أختار يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين، فبسط كفه فإذا من هو كائن من ذريته في كف الرحمن، فإذا رجال منهم أفواههم النور، وإذا رجل يعجب آدم نوره،

قال يا رب من هذا؟

قال ابنك داود

قال: يا رب فكم جعلت له من العمر؟

قال جعلت له ستين

قال: يا رب فأتم له من عمري حتى يكون له من العمر مائة سنة، ففعل الله ذلك، وأشهد على ذلك.

فلما نفذ عمر آدم بعث الله ملك الموت، فقال آدم: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟

قال له الملك: أولم تعطها ابنك داود؟ فجحد ذلك، فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته".

وعن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الدر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي".

وعن الحسن قال: خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى، فألقوا على وجه الأرض؛ منهم الأعمى والأصم والمبتلى.

فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدي؟

قال: يا آدم إني أردت أن أُشكر.

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً، ثم قال اذهب فسلم على أولئك "النفر" من الملائكة، فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا السلام عليك ورحمة الله. فزادوه ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن".

وعن ابن عباس، قال لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أن أول من جحد آدم، أن أول من جحد آدم، أن أول من جحد آدم. أن الله لما خلق آدم مسح ظهره، فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذريته عليه، فرأى فيهم رجلاً يزهر، قال: أي رب من هذا؟
قال: هذا ابنك داود،
قال أي رب كم عمره،
قال: ستون عاماً،
قال: أي رب زد في عمره.
قال: لا، إلا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاماً. فكتب الله عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة. فلما احتضر آدم أتته الملائكة لقبضه، قال: أنه قد بقي من عمري أربعون عاماً.
فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود
قال: ما فعلت، وأبرز الله عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة.

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا }
ُسئل عمر بن الخطاب عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عنها فقال: "إن الله خلق آدم عليه السلام، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون".
فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنة، وإذا خلق الله العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار".
وهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر، وقسمتهم قسمين: أهل اليمين وأهل الشمال، وقال: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي.

فأما الإشهاد عليهم واستنطاقهم بالإقرار بالوحدانية؛ فجاء فى الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلاً قال:
{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}.

وعن أبي بن كعب، في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية والتي بعدها.
قال: فجمعهم له يومئذ جميعاً ما هو كائن منه إلى يوم القيامة، فخلقهم ثم صورهم، ثم استنطقهم فتكلموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهد عليهم أنفسهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الآية.
قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم، أن لا تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئاً، وإني سأرسل إليكم رسلاً ينذرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتابي.
قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك. فأقروا له يومئذ بالطاعة.
ورفع أباهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغني والفقير، وحسن الصورة ودون ذلك،
فقال: يا رب لو سويت بين عبادك؟
فقال: إني أحببت أن أشكر.
ورأى فيهم الأنبياء عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، فهو الذي يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً}
وعن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول نعم. فيقول قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي".

ولما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، امتثلوا كلهم الأمر الإلهي، وامتنع إبليس من السجود له حسداً وعداوة له، فطرده الله وأبعده، وأخرجه من الحضرة الإلهية ونفاه عنها، وأهبطه إلى الأرض طريداً ملعوناً شيطاناً رجيماً.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار".
ثم لما اسكن آدم الجنة التي أسكنها ، أقام بها هو وزوجته حواء عليهما السلام، يأكلان منها رغداً حيث شاءا، فلما أكلا من الشجرة التي نهيا عنها، سلبا ما كانا فيه من اللباس وأهبطا إلى الأرض. وقد اختلف العلماء في مواضع هبوطه منها.
واختلفوا في مقدار مقامه في الجنة
عن ابن عباس: أن الله قال: يا آدم إن لي حرماً بحيال عرشي، فانطلق فابن لي فيه بيتاً، فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي، وأرسل الله له ملكاً فعرفه مكانه وعلمه المناسك، وذكر أن موضع كل خطوة خطاها آدم صارت قربة بعد ذلك.
وعنه: أن أول طعام أكله آدم في الأرض، أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة، فقال: ما هذا؟
قال:هذا من الشجرة التي نهيت عنها فأكلت منها
فقال: وما أصنع بهذا؟
قال: ابذره في الأرض، فبذره. وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة ألف، فنبتت فحصده، ثم درسه ثم ذراه، ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه، فأكله بعد جهد عظيم. وتعب ونكد، وذلك قوله تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}.
وكان أول كسوتهما من شعر الضأن: جزاه ثم غزلاه، فنسج آدم له جبة، ولحواء درعاً وخماراً.
وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى، وأمر أن يزوج كل ابن أخت أخيه التي ولدت معه، والآخر بالأخرى وهلم جرا، ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه.
ذكر قصة ابنى آدم قابيل و هابيل


قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ {
ونذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك.
أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى "البطن" الآخر وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل، وكان أكبر من هابيل، وأخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قرباناً، وذهب آدم ليحج إلى مكة، واستحفظ السماوات على بنيه فأبين، والأرضين والجبال فأبين، فتقبل قابيل بحفظ ذلك.

فلما ذهب قربا قربانهما؛ فقرب هابيل جذعة سمينة، وكان صاحب غنم، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي،
فقال: إنما يتقبل الله من المتقين.
وروي عن ابن عباس: وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده!
وذكر أبو جعفر : أن آدم كان مباشراً لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل، فقال قابيل لآدم: إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي. وتوعد أخاه فيما بينه وبينه.
فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي، فبعث آدم قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذا هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني.
فقال: إنما يتقبل الله من المتقين.
فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله.
وقيل: إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته.
وقيل: بل خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع فمات. والله أعلم.
وقوله له لما توعده بالقتل: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} دل على خلق حسن، وخوف من الله تعالى وخشية منه، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله.
ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا يا رسول الله: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".

وقوله: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى، إذ قد عزمت على ما عزمت عليه، أن تبوء بإثمي وإثمك، أي تتحمل إثم مقاتلتي مع ما لك من الأثام المتقدمة قبل ذلك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقتل نفساً ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل".

{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ}.

ذكر بعضهم أنه لما قتله حمله على ظهره سنة، وقال آخرون حمله مائة سنة، ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين أخوين، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه وواراه، فلما رآه يصنع ذلك {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} ؟ ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه.
وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزناً شديداً

وقد ذكر مجاهد أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه؛ فعلقت ساقه إلى فخذه، وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت، تنكيلاً به وتعجيلاً لذنبه وبغيه وحسده لأخيه.

و قد رزق الله آدم بعد وفاة ابنه هابيل بإبن سماه آدم و حواء " شيث "

ومعنى شيث: هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل.

قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف، على شيث خمسين صحيفة".


ذكر وفاة آدم و وصيته لابنه شيث



ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار، وعلمه عبادات تلك الساعات، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك.

قال: ويقال أن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث، وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا. والله أعلم.
ولما توفي آدم عليه السلام - وكان ذلك يوم الجمعة - جاءته الملائكة بحنوط، وكفن من عند الله عز وجل من الجنة، وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثاً عليه السلام.

عن أبي بن كعب، قال:
إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة. قال: فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟
قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة،
فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل.

فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره،ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.

واختلفوا في موضع دفنه: فالمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط عليه في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة

وقد ماتت بعد حواء بسنة واحدة.

واختلف في مقدار عمره عليه السلام: وقد ذكرنا في الحديث عن ابن عباس وأبي هريرة مرفوعاً: أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة.



وقال عطاء الخراساني: لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبع أيام. رواه ابن عساكر.

فلما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه، عن أبي ذر مرفوعاً أنزل عليه خمسون صحيفة.

 قصـص الأنـبـياء

إدريس عليه السلام

إدريس عليه السلام



قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً. وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}

فإدريس عليه السلام قد أثنى الله عليه ووصفه بالنبوة والصديقية .
وهو في عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب.

نسبه عليه السلام :

روى أنه لما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه
فلما حانت وفاته أوصى إلى أبنه أنوش فقام بالأمر بعده، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل
فلما مات قام بالأمر بعده ولده يرد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده خنوخ، وهو إدريس عليه السلام على المشهور.
وكان أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام.

وذكر ابن اسحاق أنه أول من خط بالقلم .وقد قال طائفة من الناس أنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخط بالرمل فقال: " إنه كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك".

ويزعم كثير من علماء التفسير والأحكام أنه أول من تكلم في ذلك، ويسمونه هرمس الهرامسة، ويكذبون عليه أشياء كثيرة كما كذبوا على غيره من الأنبياء والعلماء والحكماء والأولياء.

وقوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} هو كما ثبت في الصحيحين في حديث الإسراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو في السماء الرابعة.

وقد روى ابن جرير قال:

سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر فقال له:
ما قول الله تعالى لإدريس {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}؟
فقال كعب: أما إدريس فإن الله أوحى إليه: أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم - لعله من أهل زمانه - فأحب ادريس أن يزداد عملاً، فأتاه خليل له من الملائكة
فقال له ادريس: إن الله أوحى إلي كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس
فقال: وأين إدريس؟
قال : هو ذا على ظهري
فقال ملك الموت: يا للعجب! بُعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عز وجل {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}.

وعن ابن عباس في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} :

رفع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح، وهو قول مجاهد وغير واحد.


وقال الحسن البصري: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال: إلى الجنة، والله أعلم.

 قصـص الأنـبـياء

أخطر 6 أطعمة على الصحة

dang

كلنا نسمع دائما عن الوجبات السريعة وأضرارها الصحية الخطيرة على المدى البعيد وفي هذا الموضوع سنعرض لك هذه الأطعمة بشكل مفصل حتى تتجنبها أو تقلل منها قدر الإمكان لحماية لنفسك ولأبناءك.
  1. 1- البرجر:
يعتبر البرجر من أسوأ الوجبات السريعة على الإطلاق حيث يحتوي على جميع العناصر الضارة للصحة كاللحم المقلي المليء بالدهون الذي يرفع الكوليسترول في الدم ونسبة عالية من السعرات الحرارية والصوديوم والصلصات وطبقات من الجبن تحتوي على نسبة مرتفعة من الدهون غير الصحية ومايونييز الذي يحتوي على صفار البيض والمواد الحافظة.
  1. 2- الحلويات:
والحلويات ما هي إلا شكل مركز من السكر حتى تلك التي يتشدق البعض بأنها تحتوي على الفواكه لأن ارتفاع السكروز يتسبب في أمراض السكري فضلا عن السعرات الحرارية الكبيرة التي تفسد أي حمية غذائية تقوم بها .
  1. 3- البطاطس المقلية:
وغيرها من المقليات مثل السمبوسك ضارة جدا بالصحة فهي مصادر عالية الدهون وتسبب الكوليسترول في الدم وانسداد الشرايين بالاضافة إلى احتوائها على نسبة عالية من الملح والصوديوم مما يسبب ارتفاع ضغط الدم كما تُتهم هذه الأطعمة بالتسبب في بعض أنواع السرطانات.
  1. 4- المشروبات الغازية:
تحتوي المشروبات الغازية على نسبة عالية من السكر الصناعي ويكفيك أن تعلم أن زجاجة واحدة من الكولا تحتوي على حصة السعرات الحرارية التي يجب أن تتناولها على مدار اليوم كله بجميع وجباته كما تحتوي المياه الغازية على مواد التحلية مثل الاسبارتام الذي يسبب الحموضة وتخزين الدهون في الجسم.
  1. 5- الآيس كريم:
وينضم الآيس كريم إلى هذه القائمة نظرا لاحتوائه على نسبة كبيرة من الدهون مع كميات عالية من السكر وقد تحتوي علبة الأيس كريم الواحدة على 15 جرام من الدهون كما أن الطبيعة الباردة للآيس كريم تضعف عملية التمثيل الغذائي.
  1. 6- الكيك:
كثير من الناس مدمنين على تناول الكيك بشكل يومي سواء في الإفطار أو العشاء أو على مدار اليوم كوجبة خفيفة ولكن يكفيك أن تعلم أن شريحة واحدة من الكيك تحتوي على كافة العناصر الضارة بصحة الجسم مثل الكربوهيدرات غير المطبوخة ونسبة كبيرة من السكر فضلا عن الشيكولاته والكريمة التي يزين بها الكيك حيث تتركز الدهون الضارة في هذه الشريحة. وتستطيع أن تتلافى أضرار هذه العناصر إذا اكتفيت بشريحة صغيرة كل بضعة أيام.

admcsport

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

قصة إبراهيم خليل الرحمن


قصة إبراهيم خليل الرحمن


قال تعالى : ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ سورة يوسف الآية 3



يروى أن ابراهيم عليه السلام ولد ببابل و تزوج سارة و كانت عاقراً لا تلد ثم ارتحل هو و وزجته سارة و ابن أخيه لوط قاصدين أرض الكنعانيين، وهي بلاد بيت المقدس، فأقاموا بحران وكانوا يعبدون الكواكب السبعة.
والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين، يستقبلون القطب الشمالي، ويعبدون الكواكب ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل بكوكب منها، ويعملون لها أعياداً وقرابين.
وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام، وكل من كان على وجه الأرض كانوا كفاراً، سوى إبراهيم الخليل، وامرأته، وابن أخيه لوط عليهم السلام، وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور، وأبطل به ذاك الضلال، فإن الله سبحانه وتعالى أتاه رشده في صغره، وابتعثه رسولاً، واتخذه خليلاً في كبره قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} أي كان أهلاً لذلك.

وكان أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له، كما قال تعالى:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً }.
فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة، وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة، و بيـَّن له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها، ولا تبصر مكانه، فكيف تغني عنه شيئاً، أو تفعل به خيراً من رزق أو نصر؟
ثم قال منبهاً على ما أعطاه الله من الهدى، والعلم النافع، وإن كان أصغر سناً من أبيه: {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} أي: مستقيماً، واضحاً، سهلاً، حنيفاً، يفضي بك إلى الخير في دنياك وأخراك، فلما عرض هذا الرشد عليه، وأهدى هذه النصيحة إليه، لم يقبلها منه ولا أخذها عنه، بل تهدده وتوعده.
{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ}
{وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} أي: واقطعني وأطل هجراني.
فعندها قال له إبراهيم: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} أي: لا يصلك مني مكروه، ولا ينالك مني أذىً، بل أنت سالم من ناحيتي، وزاده خيراً بأنى سأستغفر لك ربى الذى هداني لعبادته والإخلاص له.
ولهذا قال: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً}
وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}.

ثم قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.
وهذه مناظرة لقومه، وبيان لهم أن هذه الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة لا تصلح للألوهية، ولا أن تعبد مع الله عز وجل لأنها مخلوقة مربوبة، مصنوعة مدبرة، مسخرة، تطلع تارة، وتأفل أخرى، فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية، بل هو الدائم الباقي بلا زوال، لا إله إلا هو، ولا رب سواه فبين لهم أولاً عدم صلاحية الكواكب.، ثم ترقى منها إلى القمر الذي هو أضوأ منها وأبهى من حسنها، ثم ترقى إلى الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياءً وسناءً وبهاءً، فبين أنها مسخرة، مسيرة مقدرة مربوبة.
والظاهر أن موعظته هذه في الكواكب لأهل حران، فإنهم كان يعبدونهاوأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم في عبادتها وكسرها عليهم، وأهانها وبين بطلانها، كما قال تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}
وقال في سورة الأنبياء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ }

يخبر الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام، أنه أنكر على قومه عبادة الأوثان، وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها، فقال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} أي: معتكفون عندها وخاضعون لها.
{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ}
ما كان حجتهم إلا صنيع الآباء والأجداد، وما كانوا عليه من عبادة الأنداد.
وقال لهم: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} سلموا له أنها لا تسمع داعياً، ولا تنفع ولا تضر شيئاً، وإنما الحامل لهم على عبادتها الاقتداء بأسلافهم، ومن هو مثلهم في الضلال من الآباء الجهال.

{قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}
بل إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ربكم ورب كل شيء، فاطر السماوات والأرض، الخالق لهما على غير مثال سبق، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأنا على ذلكم من الشاهدين.

ابراهيم عليه السلام يلقى فى النار

وقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها، بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدهم.
قيل: إنه قال هذا خفية في نفسه، وقال ابن مسعود: سمعه بعضهم. وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد، فدعاه أبوه ليحضره فقال: إني سقيم.

كما قال تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}
فلما خرجوا إلى عيدهم واستقر هو في بلدهم، راغ إلى آلهتهم، أي: ذهب إليها مسرعاً مستخفياً، فوجدها في بهو عظيم، وقد وضعوا بين أيديها أنواعاً من الأطعمة قرباناً إليها.
فقال لها على سبيل التهكم والازدراء: {أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} فكسرها بقدوم في يده كما قال تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} أي: حطاماً، كسرها كلها.
{إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} قيل: إنه وضع القدوم في يد الكبير، إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار. فلما رجعوا من عيدهم ووجدوا ما حل بمعبودهم {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.
وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون، وهو ما حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء، لكنهم قالوا من جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة ضلالهم وخبالهم: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} أي: يذكرها بالعيب والتنقص لها والإزدارء بها، فهو المقيم عليها والكاسر لها.
{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} أي: في الملأ الأكبر على رؤوس الأشهاد، لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه.
وكان هذا أكبر مقاصد الخليل عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم فيقيم على جميع عبّاد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه
فلما اجتمعوا وجاؤوا به كما ذكروا، {قَالُوا أأنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا..} قيل معناه: هو الحامل لي على تكسيرها، وإنما عرض لهم في القول: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}
وإنما أراد بقوله هذا، أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق، فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات.
{فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} أي: فعادوا على أنفسهم بالملامة فقالوا: إنكم أنتم الظالمون، أي: في تركها لا حافظ لها، ولا حارس عندها.
وقال قتادة: أدركت القوم حيرة سوء، أي: فأطرقوا ثم قالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} أي: لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق، فكيف تأمرنا بسؤالها؟ فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}

{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ}
عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا وغلبوا، ولم تبقَ لهم حجة ولا شبهة إلى استعمال قوتهم وسلطانهم، لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم، فكادهم الرب جل جلاله وأعلى كلمته، ودينه وبرهانه كما قال تعالى:
{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}.
وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطباً من جميع ما يمكنهم من الأماكن، فمكثوا مدة يجمعون له، حتى أن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطباً لحريق إبراهيم، ثم عمدوا إلى جوبة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب، وأطلقوا فيه النار، فاضطربت وتأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط.
ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له هزن، وكان أول من صنع المجانيق فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك، لك الحمد ولك الملك، لا شريك لك، فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيداً مكتوفاً، ثم ألقوه منه إلى النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل.
ابن عباس أنه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار. وقالها محمد حين قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}
عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم:
((لما ألقي إبراهيم في النار قال: اللهم إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك)).
وذكر بعض السلف أن جبريل عرض له في الهواء فقال: ألك حاجة؟

فقال: أما إليك فلا.

ويروى عن ابن عباس، أنه قال: جعل ملك المطر يقول: متى أومر فأرسل المطر؟ فكان أمر الله أسرع. {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}
قال ابن عباس وأبو العالية: لولا أن الله قال: {وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} لأذى إبراهيم بردها.
وقال كعب الأحبار: لم ينتفع أهل الأرض يومئذ بنار، ولم يحرق منه سوى وثاقه.
وقال الضحاك: يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه، لم يصبه منها شيء غيره.
وقال السدي: كان معه أيضاً ملك الظل، وصار إبراهيم عليه السلام في ميل الجوبة حوله النار، وهو في روضة خضراء، والناس ينظرون إليه لا يقدرون على الوصول إليه، ولا هو يخرج إليهم، فعن أبي هريرة أنه قال: أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال: نعم الرب ربك يا إبراهيم.

وعن المنهال بن عمرو أنه قال: أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما خمسين يوماً، وأنه قال: ما كنت أياماً وليالي أطيب عيشاً إذ كنت فيها، ووددت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها، صلوات الله وسلامه عليه.

مناظرة إبراهيم الخليل مع النمرود

هذه هى مناظرة إبراهيم الخليل مع من أراد أن ينازع العظيم الجليل في العظمة ورداء الكبرياء فادعى الربوبية، وهوَ أحدُ العبيد الضعفاء

قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
يذكر تعالى مناظرة خليله مع هذا الملك الجبار المتمرد الذي ادعى لنفسه الربوبية، فأبطل الخليل عليه دليله، وبين كثرة جهله، وقلة عقله، وألجمه الحجة، وأوضح له طريق المحجة.
قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار، وهذا الملك هو ملك بابل، واسمه النمرود بن كنعان وذكروا أن نمرود هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة، وكان طغى وبغى، وتجبر وعتا، وآثر الحياة الدنيا.
ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال على إنكار وجود الله تعالى، فحاجّ إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية.
فلما قال الخليل: (ربي الذي يحي ويميت قال: أنا أحي وأميت).
يعني أنه إذا آتى بالرجلين قد تحتم قتلهما، فإذا أمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر.

قَال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ} أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها. وهو الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء. فإن كنت كما زعمت من أنك الذي تحي وتميت فأت بهذه الشمس من المغرب فإنّ الذي يحي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء، ودان له كل شيء، فإن كنت كما تزعم فافعل هذا، فإن لم تفعله فلست كما زعمت، وأنت تعلم وكل أحد، أنك لا تقدر على شيء من هذا بل أنت أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنتصر منها.
فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه، وبطلان ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه، ولم يبق له كلام يجيب الخليل به بل انقطع وسكت. ولهذا قال: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبّار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه. ثم دعاه الثانية فأبى عليه. ثم دعاه الثالثة فأبى عليه.
وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي.
فجمع النمرود جيشه وجنوده، وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذباباً بحيث لم يروا عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاماً باديةً، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره أربعمائة سنة، عذبه الله تعالى بها فكان يُضْرَبُ رأسُه بالمرِازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.

هجرة الخليل عليه السلام إلى بلاد الشام، ودخوله مصر

قال الله: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ}.

لما هجر قومه في الله وهاجر من بين أظهرهم وكانت امرأته عاقراً لا يولد لها، ولم يكن له من الولد أحد بل معه ابن أخيه لوط ، وهبه الله تعالى بعد ذلك الأولاد الصالحين، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، فكل نبي بعث بعده فهو من ذريته، وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الأنبياء من بعده فعلى أحد نسله وعقبه، كرامة له من الله، حين ترك بلاده وأهله وأقرباءه، وهاجر إلى بلد يتمكن فيها من عبادة ربه عز وجل، ودعوة الخلق إليه.
والأرض التي قصدها بالهجرة أرض الشام، وهي التي قال الله عز وجل: {إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}.

قصّة سارة مع الملك.

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله قوله {إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة، إذ نزل منزلاً فأتى الجبار فقيل له: إنه قد نزل هاهنا رجل معه امرأة من أحسن الناس. فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختي، فلما رجع إليها قال إنَّ هذا سألني عنك؟ فقلت إنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وأنك أختي فلا تكذبيني عنده.
فانطلق بها، فلما ذهب يتناولها أخذ فقال: "ادعى الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل، فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها.
فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأرسل ثلاث مرات
فدعا أدنى حشمه فقال: إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر.
فجاءت وإبراهيم قائم يصلي فلما أحس بها انصرف فقال: مَهْيَمْ،
فقالت: كفى الله كيد الظالم وأخدمني هاجر".

وقال الإمام أحمد: فى رواية أخرى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات قوله حين دعي إلى آلهتهم فقال {إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وقوله لسارة "إنها أختي".
دخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك، أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس
قال: فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك؟
قال: أختي
قال: فأرسل بها
فأرسل بها إليه، وقال لا تكذبي قولي فإني قد أخبرته أنكِ أختي إنْ ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك.
فلما دخلت عليه قام إليها فأقبلت تتوضَّأ وتصلَّي، وتقول اللهم إن كنت تعلم إني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلاّ على زوجي فلا تسلط عليَّ الكافر،
قال: فغطَّ حتى رَكَضَ برجله.
عن أبي هريرة "إنها قالت: اللهم أن يمت يقال هي قتلته، قال: فأرسل.
قال: ثم قام إليها،
قال: فقامت تتوضأ وتصلّي وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر.
قال فغطَّ حتى ركضَ برجله،
عن أبي هريرة: إنها قالت اللهم أن يمت يقل هي قتلته، قال: فأرسل.
قال: فقال في الثالثة أو الرابعة: ما أرسلتم إليّ إلا شيطاناً أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها هاجر.
قال: فرجعت فقالت لإبراهيم: أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخْدَمَ وليدة

وقوله في الحديث "هي أختي"، أي في دين الله،
وقوله لها: إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك
وقوله لها لما رجعت إليه: مَهْيَمْ؟ معناه ما الخبر؟ فقالت: إن الله رد كيد الكافرين. وفي رواية الفاجر. وهو الملك، وأخدم جارية.
وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك قام يصلي لله عز وجل ويسأله أن يدفع عن أهله، وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء، وهكذا فعلت هي أيضاً، فلما أراد عدو الله، أن ينالَ منها أمراً قامت إلى وضوئها وصلاتها، ودعت الله عز وجل بما تقدم من الدعاء العظيم، ولهذا قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} فعصمها الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام.

ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن، وهي الأرض المقدسة التي كان فيها، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل، وصحبتهم هاجر المصرية.
ثم إن لوطاً عليه السلام نزح بماله من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك إلى أرض الغور، المعروف بغور زغر فنزل بمدينة سدوم، وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان، وكان أهلها أشراراً كفاراً فجاراً.

مولد إسماعيل عليه السلام مِنْ هاجر

قال أهل الكتاب: إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة، وان الله بشَّره بذلك، وأنه لما كان لإبراهيم ببلاد المقدس عشرون سنة، قالت سارة لإبراهيم عليه السلام، إن الرب قد حرمني الولد، فادخل على أمتي هذه، لعل الله يرزقني منها ولداً.
فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام، فحين دخل بها حملت منه، قالوا: فلما حملت ارتفعت نفسها، وتعاظمت على سيدتها، فغارت منها سارة
قالوا: وولدت هاجر اسماعيل ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة، قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة.

غير أن هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل واشتدت غيرة سارة منها، طلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها، فذهب بها وبولدها فسارَ بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم.

مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى أرض مكّة

عن ابن عباس قال: "أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقاً لتعفى أثرها على سارة".
ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء.

ثم قفّى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً؛ وجعل لا يلتفت إليها،
فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا. ثم رجعت.

فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى،أو يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً ..

فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات.

قال النبي صلى الله عليه وسلم "فلذلك سعى الناس بينهما".
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه، تريد نفسها.

ثم تسمعت فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضُه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.

قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم". أو قال: "لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً مَعِيْناً".
فشربت وأرضعت ولدها. فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة، فإن هاهنا بيتاً لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله.

وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على الماء،لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا أو جرييّن فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا.

قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولكن لا حقَّ لكم في الماء عندنا. قالوا: نعم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فألفى ذلك أمَّ إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم.
وشبَّ الغلام وتعلّم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك، زوّجوه امرأة منهم.
وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل، يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه؟
فقالت: خرج يبتغي لنا.
ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟
فقالت: نحن بشرٍّ نحن في ضيق وشدّةٍ وشكت إليه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟
فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا كذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة.
قال: فهل أوصاك بشيء؟
قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غيّر عتبة بابك.
قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، وطلقها وتزوَّج منهم أخرى، ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله. ثم أتاهم بعد فلم يجده،
فدخل على امرأته فسألها عنه؟
فقالت: خرج يبتغي لنا،
قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم،
فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل،
فقال: ما طعامكم؟
قالت: اللحم
قال: فما شرابكم؟
قالت: الماء.
قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذ حب. ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه" قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومُريه يثبت عتبة بابه.

فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير.
قال: فأوصاك بشيء؟
قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك.
قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك.
ثم ما لبث عنهم ما شاء الله. ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نَبْلاً له تحت دوحةٍ قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا، كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد. ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر،
قال: فاصنع ما أمرك به ربك،
قال: وتعينني؟
قال: وأعينك.
قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها.
قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
قال: فجعلا يبنيان، حتى يدورا حول البيت، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.


قصة الذبيح

قال الله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِي، رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يا أبتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِين، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}.

يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولداً صالحاً، فبشّره الله تعالى بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام، لأنه أول من ولد له على رأس ستٍ وثمانين سنة من عمر الخليل. وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل، لأنه أول ولده وبكره.

وقوله {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي شبَّ وصار يسعى في مصالحه كأبيه. قال مجاهد: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي شبَّ وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل.
فلما كان هذا رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده.و "رؤيا الأنبياء وحيٌ".
وهذا اختبار من الله عز وجل لخليلهِ في أن يذبح هذا الابن العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر، وواد ليس به حسيس ولا أنيس، ولا زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك وتركها هناك، ثقة بالله وتوكلاً عليه، فجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً، ورزقهما من حيث لا يحتسبان.
ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه، وهو بكره ووحيده، الذي ليس له غيره، أجاب ربَّه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته.
ثم عرض ذلكَ على ولده ليكونَ أطيب لقلبهِ وأهون عليه، من أن يأخذه قَسْراً ويذبحه قهراً {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}.

فبادر الغلام الحليم، سر والده الخليل إبراهيم، فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ}. وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} قيل: أسلما، أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك و قيل: أراد أن يذبحه من قفاه، لئلا يشاهده في حال ذبحه، أو أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقي طرف جبينه لاصقاً بالأرض.
(وأسلما) أي سمى إبراهيم وكبر، وتشّهد الولد للموت. فعندما أمَرَّ السّكين على حلْقِهِ لم تقطع شيئاً والله أعلم.
فعند ذلك نودي من الله عز وجل: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}. أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك. ولهذا قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ}. أي الاختبار الظاهر البين.

وقوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم}. أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يَسَّرَهُ الله تعالى له من العوض عنه.
والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن. قال الثوري عن ابن عباس قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً
قال سفيان: لم يزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا.
وكذا روى عن ابن عباس : أن رأس الكبش لم يزل معلقاً عند ميزاب الكعبة قد يبس.

ذكر مولد إسحاق عليه السلام

قال الله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}.
وقد كانت البشارة به من الملائكة لإبراهيم وسارة، لما مروا بهما مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط، ليدمروا عليهم، لكفرهم وفجورهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}.
يذكر تعالى: أن الملائكة قالوا، وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل، لما وردوا على الخليل، حسبهم أولاً أضيافاً، فعاملهم معاملة الضيوف، وشَوَى لهم عجلاً سميناً، من خيار بقره، فلما قرّبه إليهم وعرض عليهم، لم يَرَ لهم همّةً إلى الأكل بالكلية، وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام (فنكرهم) إبراهيم وأوجس منهم خيفة {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} أي لندمر عليهم.

فاستبشرت عند ذلك سارة غضباً لله عليهم، وكانت قائمة على رؤوس الأضياف، كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم، فلما ضحكت استبشاراً بذلك قال الله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} أي بشرتها الملائكة بذلك {فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} أي في صرخة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي كما يفعل النساء عند التعجب.


وقالت: {يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً} أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضاً، وهذا بعلي أي زوجي شيخاً؟ تعجبت من وجود ولد، والحالة هذه، ولهذا قالت: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}.

وكذلك تعجَّب إبراهيم عليه السلام استبشاراً بهذه البشارة وتثبيتاً لها وفرحاً بها: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ}
أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما {بِغُلامٍ عَلِيمٍ}. وهو إسحاق أخو إسماعيل غلام عليم، مناسب لمقامه وصبره، وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر. وقال في الآية الأخرى {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}.

فقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق، ثم من بعده بولده يعقوب.
وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين. في حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركت الصلاة فصلِّ فكلها مسجد".

ذكر بناية البيت العتيق

قال الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.
وقال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِين، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ}.
يذكرُ تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء إبراهيم عليه السلام أنه بنى البيت العتيق، الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس، يعبدون الله فيه وبوّأه الله مكانه، أي أرشده إليه ودلّه عليه.
وقد روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره أنه أرشد إليه بوحي من الله عز وجل. وقد قدمنا في صفة خلق السماوات، أن الكعبة بحيال البيت المعمور، بحيث أنه لو سقط لسقط عليها، وكذلك معابد السماوات السبع، كما قال بعض السلف: إن في كل سماء بيتاً يعبد الله فيه أهل كل سماء، وهو فيها ككعبة لأهل الأرض.
فأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام، أن يبني له بيتاً يكون لأهل الأرض، كتلك المعابد لملائكة السماوات، وأرشده الله إلى مكان البيت المهيأ له، المعين لذلك منذ خلق السماوات والأرض، كما ثبت في الصحيحين: "أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة".
ولم يجئ في خبر صحيح، عن معصوم، أن البيت كان مبنيّاً قبل الخليل عليه السلام
وقد قال الله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}. أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى البيت الذي ببكة. وقيل محل الكعبة {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أي على أنه بناء الخليل والد الأنبياء ممن بعده، وإمام الحنفاء من ولده، الذين يقتدون به ويتمسكون بسنته، ولهذا قال: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} أي الحِجْر الذي كان يقف عليه قائماً لما ارتفع البناء عن قامته، فوضع له ولده هذا الحجر المشهور ليرتفع عليه لمّا تعالى البناء، وعظم الفناء
وقد كان هذا الحَجَرُ ملصقاً بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخّره عن البيت قليلاً، لئلا يشغل المصلّين عنده الطائفين بالبيت، واتبع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا، فإنّه قد وافقه ربه في أشياء، منها قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. وقد كانت آثار قدميّ الخليل باقية في الصخرة إلى أول الإسلام حيث أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت، على قدر قدمه حافية
قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في وادٍ غير ذي زرع، ودعا لأهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات، مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار، وأن يجعله حرماً محرماً، وآمنا محتما.
فاستجاب الله وله الحمد له مسألته، ولبّى دعوته وآتاه طلبته قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا}.
وسأل الله أن يبعث فيهم رسولاً منهم، أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة، لتتم عليهم النعمتان الدنيوية والدينية سعادة الأولى والآخرة.
وقد استجاب الله له فبعث فيهم رسولاً، وأي رسول ختم به أنبياءه ورسله،
فمن ذلك ما قاله السدّي: لما أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت، ثم لم يدريا أين مكانه؟ حتى بعث الله ريحاً يقال له الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية، فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول، واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس، وذلك حين يقول تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ}.
فلما بلغا القواعد وبنيا الركن، قال إبراهيم لإسماعيل: يا بني اطلب لي الحجر الأسود من الهند، وكان أبيض ياقوتة بيضاء، مثل النعامة، وكان آدم هبط به من الجنة فاسّود من خطايا الناس، فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن. فقال: يا أبتي من جاءك بهذا؟ قال جاء به مَنْ هو أنشط منك. فبنيا وهما يدعوان الله: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.


قصـص الأنـبـياء


 

تعديل


تعديل